فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فتركب من هذه الأمور: إيثار منهم للسماع ومحبة صادقة له تزول الجبال عن أماكنها ولا تفارق قلوبهم إذ هو مثير عزماتهم ومحرك سواكنهم ومزعج بواطنهم.
فدواء صاحب مثل هذا الحال: أن ينقل بالتدريج إلى سماع القرآن بالأصوات الطيبة مع الإمعان في تفهم معانيه وتدبر خطابه قليلا قليلا إلى أن فيخلع قلبه محبة سماع الأبيات ويلبس محبة سماع الآيات ويصير ذوقه وشربه وحاله ووجده فيه فحينئذ يعلم هو من نفسه: أنه لم يكن على شيء ويتمثل حينئذ بقول القائل:
وكنت أرى أن قد تناهى بي الهوى ** إلى غاية ما فوقها لي مطلب

فلما تلاقينا وعاينت حسنها ** تيقنت أني إنما كنت ألعب

ومنافاة النوح للصبر والغناء للشكر: أمر معلوم بالضرورة من الدين لا يمتري فيه إلا أبعد الناس من العلم والإيمان فإن الشكر إنما هو الاشتغال بطاعة الله لا بالصوت الأحمق الفاجر الذي هو للشيطان وكذلك النوح ضد الصبر كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في النائحة وقد ضربها حتى بدا شعرها وقال: لا حرمة لها إنها تأمر بالجزع وقد نهى الله عنه وتنهى عن الصبر وقد أمر الله به وتفتن الحي وتؤذي الميت وتبيع عبرتها وتبكي شجو غيرها.
ومعلوم عند الخاصة والعامة: أن فتنة سماع الغناء والمعازف أعظم من فتنة النوح بكثير والذي شاهدناه نحن وغيرنا وعرفناه بالتجارب: أنه ما ظهرت المعازف وآلات اللهو في قوم وفشت فيهم واشتغلوا بها إلا سلط الله عليهم العدو وبلوا بالقحط والجدب وولاة السوء والعاقل يتأمل أحوال العالم وينظر والله المستعان.
ولا تستطل كلامنا في هذه المنزلة فإن لها عند القوم شأنا عظيما.
وأما قولهم: من أنكر على أهله فقد أنكر على كذا وكذا ولي لله فحجة عامية نعم إذا أنكر أولياء الله على أولياء الله كان ماذا فقد أنكر عليهم من أولياء الله من هو أكثر منهم عددا وأعظم عند الله وعند المؤمنين منهم قدرا وأقرب بالقرون المفضلة عهدا وليس من شرط ولي الله العصمة وقد تقاتل أولياء الله في صفين بالسيوف ولما سار بعضهم إلى بعض كان يقال: سار أهل الجنة إلى أهل الجنة وكون ولي الله يرتكب المحظور والمكروه متأولا أو عاصيا لا يمنع ذلك من الإنكار عليه ولا يخرجه عن أصل ولاية الله وهيهات هيهات أن يكون أحد من أولياء الله المتقدمين حضر هذا السماع المحدث المبتدع المشتمل على هذه الهيئة التي تفتن القلوب أعظم من فتنة المشروب وحاشا أولياء الله من ذلك وإنما السماع الذي اختلف فيه مشايخ القوم: اجتماعهم في مكان خال من الاغيار يذكرون الله ويتلون شيئا من القرآن ثم يقوم بينهم قوال ينشدهم شيئا من الأشعار المزهدة في الدنيا المرغبة في لقاء الله ومحبته وخوفه ورجائه والدار الآخرة وينبههم على بعض أحوالهم من يقظة أو غفلة أو بعد أو انقطاع أو تأسف على فائت أو تدارك لفارط أو وفاء بعهد أو تصديق بوعد أو ذكر قلق وشوق أو خوف فرقة أو صد وما جرى هذا المجرى.
فهذا السماع الذي اختلف فيه القوم لا سماع المكاء والتصدية والمعازف والخمريات وعشق الصور من المردان والنسوان وذكر محاسنها ووصالها وهجرانها فهذا لو سئل عنه من سئل من أولي العقول لقضى بتحريمه وعلم أن الشرع لا يأتي بإباحته وأنه ليس على الناس أضر منه ولا أفسد لعقولهم وقلوبهم وأديانهم وأموالهم وأولادهم وحريمهم منه والله أعلم.
فصل:
قال صاحب المنازل:
السماع على ثلاث درجات: سماع العامة وهو ثلاثة أشياء: إجابة زجر الوعيد رغبة وإجابة دعوة الوعد جهدا وبلوغ مشاهدة المنة استبصارا.
الوعيد: يكون على ترك المأمور وفعل المحظور وإجابة داعيه: هو العمل بالطاعة.
وقوله: رغبة يعني امتثالا لكون الله تعالى أمر ونهى وأوعد.
وحقيقة الرجاء: الخوف والرجاء فيفعل ما أمر به على نور الإيمان راجيا للثواب ويترك ما نهى عنه على نور الإيمان خائفا من العقاب.
وفي الرغبة فائدة أخرى وهي أن فعله يكون فعل راغب مختار لا فعل كاره كأنما يساق إلى الموت وهو ينظر.
وأما إجابة الوعد جهدا: فهو امتثال الأمر طلبا للوصول إلى الموعود به باذلا جهده في ذلك مستفرغا فيه قواه.
وأما بلوغ مشاهدة المنة استبصارا: فهو تنبه السامع في سماعه إلى أن جميع ما وصله من خير فمن منة الله عليه وبفضله عليه من غير استحقاق منه ولا بذل عوض استوجب به ذلك كما قال تعالى: 49: 17 {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}.
وكذلك يشهد أن ما زوي عنه من الدنيا أو ما لحقه منها من ضرر وأذى فهو منة أيضا من الله عليه من وجوه كثيرة ويستخرجها الفكر الصحيح كما قال بعض السلف: يا ابن آدم لا تدري أي النعمتين عليك أفضل: نعمته فيما أعطاك أو نعمته فيما زوى عنك؟ وقال عمر ابن الخطاب رضي الله عنه لا أبالي على أي حال أصبحت أو أمسيت إن كان الغنى إن فيه للشكر وإن كان الفقر إن فيه للصبر وقال بعض السلف: نعمته فيما زوى عني من الدنيا أعظم من نعمته فيما بسط لي منها إني رأيته أعطاها قوما فاغتروا.
إذا عم بالسراء أعقب شكرها ** وإن مس بالضراء أعقبها الأجر

وما منهما إلا له فيه نعمة ** تضيق بها الأوهام والبر والبحر

فإن قلت: فهل يشهد منته فيما لحقه من المعصية والذنب؟.
قلت: نعم إذا اقترن بها التوبة النصوح والحسنات الماحية كانت من أعظم المنن عليه كما تقدم تقريره.
فصل:
قال: وسماع الخاصة: ثلاثة أشياء شهود المقصود في كل رمز والوقوف على الغاية في كل حين والخلاص من التلذذ بالتفرق.
والمقصود في كل رمز: هو فإن المسموع كله يعرف به وبصفاته وأسمائه وأفعاله وأحكامه ووعده ووعيده وأمره ونهيه وعدله وفضله وهذا الشهود ينال بالسماع بالله ولله وفي الله ومن الله.
أما السماع به: فأن لا يسمع وفيه بقية من نفسه فإن كانت فيه بقية قطعها كمال تعلقه بالمسموع فيكون سماعه بقيوميته مجردا من التفاته إلى نفسه.
وأما السماع له: فأن يجرد النفس في السماع من كل إرادة تزاحم مراد الله منه وتجمع قوى سمعه على تحصيل مراد الله من المسموع.
وأما السماع فيه: فشأن آخر وهو تجريد ما لا يليق نسبته إلى الحق من وصف أو سمة أو نعت أو فعل مما هو لائق بكماله فيثبت له ما يليق بكماله من المسموع وينزهه عما لا يليق به.
وهذا الموضع لم يتخلص فيه إلا الراسخون في العلم والمعرفة بالله وأضل الله عنه أهل التحريف والتعطيل والتشبيه والتمثيل 2:213 {فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.
وأما السماع منه: فإنما يتصور بواسطة فهو سماع مقيد وأما المطلق: فلا مطمع فيه في عالم الفناء إلا لمن اختصه الله برسالاته وبكلامه ولكن السماع لكلامه كالسماع منه فإنه كلامه الذي تكلم به حقا فمن سمعه فليقدر نفسه كأنه يسمعه من الله.
هذا هو السماع من الله لا سماع أرباب الخيال ودعوى المحال القائل.
أحدهم: ناداني في سري وخاطبني وقال لي يا ليت شعري من المنادي لك ومن المخاطب يا مخدوع يا مغرور؟ فما يدريك: أنداء شيطاني أم رحماني؟ وما البرهان على أن المخاطب لك هو الرحمن؟.
نعم نحن لا ننكر النداء والخطاب والحديث وإنما الشأن في المنادي المخاطب المحدث فههنا تسكب العبرات.
وبالجملة فمن قرئ عليه القرآن فليقدر نفسه كأنما يسمعه من الله يخاطبه به فإذا حصل له مع ذلك السماع به وله وفيه ازدحمت معانى المسموع ولطائفه وعجائبه على قلبه وازدلفت إليه بأيهما يبدأ فما شئت من علم وحكم وتعرف وبصيرة وهداية وغيرة.
وأما الوقوف على الغاية في كل حين: فهو التطلب والسفر إلى الغاية المقصودة بالمسموع الذي جعل وسيلة إليها وهو الحق سبحانه فإنه غاية كل طلب 53:42 {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} وليس وراء الله مرمى ولا دونه مستقر ولا تقر العين بغيره ألبتة وكل مطلوب سواه فظل زائل وخيال مفارق مائل وإن تمتع به صاحبه فمتاع الغرور.
وأما الخلاص من التلذذ بالتفرق: فالتفرق في معاني المسموع وتنقل القلب في منازلها يوجب له لذة كما هو المألوف في الانتقال فليتخلص من لذة تفرقه التي هي حظه إلى الجمعية على المسموع به وله ومنه.
ولم يقل الشيخ من التفرق فإن المسموع إنما يدرك معناه ويفهم بالتفرق لتنوعه ولكن ليتخلص من لذته لا منه لئلا يكون مع حظه وهذا من لطف أحوال السامعين المخلصين.
فصل:
قال: وسماع خاصة الخاصة: سماع ينفي العلل عن الكشف ويصل الأبد إلى الأزل ويرد النهايات إلى الأول.
فالكشف: هو مكافحة القلب لحقيقة المسموع وعلله أمران.
أحدهما: الشبه التي تنتفي بهذه المكافحة فلا تبقى معها شبهة فهذا هو عين اليقين.
والثاني: نفي الوسائط بين السامع والمسموع فيغيب بمسموعه عنها ويفنى عن شهودها ويفنى عن شهود فنائه عنها بحيث يشهده هو المسمع لا الواسطة وهو الهادي فمنه الإسماع ومنه الهداية ومنه الابتداء وإليه الانتهاء.
وأما وصله الأبد إلى الأزل: فهذا إن أخذ على ظاهره: فهو محال لأن الأبد والأزل متقابلان تقابل التناقض فإيصال أحدهما إلى الآخر عين المحال وإنما مراده: أن ما يكون في الأبد موجودا مشهودا فقد كان في الأزل معلوما مقدرا فعاد حكم الأبد إلى الأزل علما وحقيقة وصار الأزلي أبديا كما كان الأبدى أزليا في العلم والحكم.
وإيضاح ذلك: أن الأبد ظهر فيه ما كان كامنا في الأزل خافيا فانتهى الأمر كله إلى علمه وحكمه وحكمته وذلك أزلي وهذا رد النهايات إلى الأول فتصير الخاتمة هي عين السابقة والله تعالى هو الأول والآخر وكل ما كان ويكون آخرا فمردود إلى سابق علمه وحكمه فرجع الأبد إلى الأزل والنهايات إلى الأول والله أعلم. اهـ.

.تفسير الآيات (21- 23):

قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (21) أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22) اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أخبر سبحانه بقدرته على البعث، دل عليها بما يتكرر مشاهدته من مثلها، وخص المصطفى صلى الله عليه وسلم بالخطاب حثًا على تأمل هذا الدليل تنبيهًا على عظمته فقال مقدرًا: {ألم تر} أي مما يدلك على قدرته سبحانه على إعادة ما اضمحل وتمزق، وأرفت وتفرق: {أن الله} أي الذي له كل صفة كمال {أنزل من السماء} أي التي لا يستمسك الماء فيها إلا بقدرة باهرة تقهره على ذلك {ماء} كما تشاهدونه في كل عام {فسلكه} أي في خلال التراب حال كونه {ينابيع} أي عيونًا فائرة {في الأرض} فقهره على الصعود بعد أن غيبه في أعماقها بالفيض والصوب بعد أن كان قسره على الانضباط في العلو ثم أكرهه على النزول على مقدار معلوم وكيفية مدبرة وأمر مقسوم، قال الشعبي والضحاك: كل ماء في الأرض من السماء ينزل إلى الصخرة ثم يقسم منها العيون والركايا.
ولما كان إخراج النبات متراخيًا عن نزول المطر، عبر بثم، وفيها أيضًا تنبيه على تعظيم الأمر فيما تلاها بأنه محل الشاهد فقال: {ثم يخرج} أي والله {به} أي الماء {زرعًا} ولما كان اختلاف المسبب مع اتحاد السبب أعجب في الصنعة وأدل على بديع القدرة، قال: {مختلفًا ألوانه} أي في الأصناف والكيفيات والطبائع والطعوم وغير ذلك مع اتحاد الماء الذي جمعه من أعماق الأرض بعد أن تفتت فيها وصار ترابًا.
ولما كان الإيقاف بعد قوة الإشراف دالًا على القهر ونفوذ الأمر، قال إشارة إلى أن الخروج عن الحد غير محمود في شيء من الأشياء فإنه يعود عليه النقص {ثم يهيج} وزاد في تعظيم هذا المعنى للحث على تدبره بإسناده إلى خير الخلق صلى الله عليه وسلم فقال: {فتراه} أي فيتسبب عن هيجه وهو شدة ثورانه في نموه بعد التمام بتوقيع الانصرام أنك تراه {مصفرًا} آخذًا في الجفاف بعد تلك الزهرة والبهجة والنضرة.
ولما كان السياق لإظهار القدرة التامة، عبر بالجعل مسندًا إليه سبحانه بخلاف آية الحديد التي عبر فيها بالكون لأن السياق ثَم لأن الدنيا عدم فقال: {ثم يجعله حطامًا} أي مكسرًا مفتتًا باليًا.
ولما تم هذا المنوال البديع الدال بلا شك لكل من رآه على أن فاعله قادر على الإعادة لما يريد بعد الإبادة، كما قدر على الإيجاد من العدم والإفادة لكل ما لم يكن، قال على سبيل التأكيد للتنبيه على أن إنكارهم غاية في الحمق والجمود: {إن في ذلك} أي التدبير على هذا الوجه {لذكرى} أي تذكيرًا عظيمًا واضحًا على البعث وما يكون بعده، فإن النبات كالإنسان سواء، يكون ماء، ثم ينعقد بشرًا، ثم يخرج طفلًا، ثم يكون شابًا، ثم يكون كهلًا، ثم شيخًا ثم هرمًا، ثم ترابًا مفتتًا في الأرض، ثم يجمعه فيخرجه كما أخرج الماء النبات: {لأولي الألباب} أي العقول الصافية جدًّا كما نبه عليه بخصوص الخطاب في أول هذا الباب للمنزل عليه هذا الكتاب، وأما غيره وغير من تبعه بإحسان فهم كبهائم الحيوان.
ولما كان الذي قرر به أمرًا فيما يظنه السامع ظاهرًا كما كان جديرًا بأن ينكر بعض الواقفين مع الظواهر تخصيص الألباء به، سبب عن ذلك الإنكار في قوله: {أفمن شرح الله} أي الذي له القدرة الكاملة والعلم الشامل {صدره للإسلام} أي للانقياد للدليل، فكان قلبه لينًا فانقاد للإيمان فاهتدى لباطن هذا الدليل {فهو} أي فيتسبب عن إسلام ظاهره وباطنه للداعي أن كان {على نور} أي بيان عظيم بكتاب، به يأخذ، وبه يعطي، وإليه في كل أمر ينتهي قد استعلى عليه فهو كأنه راكبه، يصرفه حيث يشاء، وزاد في بيان عظيم هدايته بلفت القول إلى مظهر الإحسان فقال: {من ربه} أي المحسن إليه إحسانه في انقياده، فبشرى له فهو على صراط مستقيم، كمن جعل صدره ضيقًا حرجًا فكان قلبه قاسيًا، فكان في الظلام خابطًا، فويل له- هكذا كان الأصل ولكن قيل: {فويل للقاسية قلوبهم} أي لضيق صدورهم، وزاد في بيان ما بلاهم به من عظيم القسوة بلفت القول إلى الاسم الدال على جميع الأسماء الحسنى والصفات العلى فقال: {من ذكر الله} فإن من تبتدئ قسوته مما تطمئن به القلوب وتلين له الجلود، من مدح الجامع لصفات الكمال فهو أقسى من الجلمود.